البعد الوظيفي والمنهجي وتعدد المداخل البيداغوجية) فائزة السباعي*لطالما ارتكز نمط التعليم التقليدي على محدودية التنشيط، وأسلوب الإرسال الأحادي الاتجاه، مما شكل السمة الغالبة لوظيفة التدريس لعقود طويلة من الزمن، مع اهتمام الطرائق بالأساس بإشكال إنجاز المقررات وتبليغ المادة المعرفية، وتفكيكها ميكانيكيا إلى سلوكات إجرائية هادفة، قابلة للملاحظة والقياس.إن واقع تهميش التلميذ في ظل هذه الممارسات البيداغوجية التقليدية، وعدم اعتبار مؤهلاته ورغباته العاطفية، لصالح تراكم المعرفة، التي أعطيت لها الأهمية القصوى في المناهج الكلاسيكية، أفضى إلى تكوين نشء متشبع بثقافة السلطوية والتلقي السلبي، والتواكل على الغير، والتهيب من المسؤولية...كبديل عن التدريس الهادف المغرق في النـزعة السلوكية، شكل مدخل بيداغوجيا التدريس بالكفايات الجوهر في التوجهات الإصلاحية التي تعرفها مناهج التعليم ببلادنا، كاختيار استراتيجي وظيفي يعيد المكانة المقدسة للتلميذ، كمركز رئيسي تتمحور حوله كل الاهتمامات المرتبطة بالفعل التربوي، في جميع امتداداته وتفاعلاته الإشعاعية والثقافية والإنتاجية والإبداعية.«ينطلق إصلاح نظام التربية والتكوين من جعل المتعلم بوجه عام، والطفل على الأخص، في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التربوية التكوينية...»(عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص: 10)«تسعى المدرسة المغربية الوطنية الجديدة إلى أن تكون مفعمة بالحياة، تفضل نهجا تربويا نشيطا، يجاوز التلقي السلبي، والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي، والقدرة على الحوار، والمشاركة في الاجتهاد الجماعي...»(عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص: 11)تفعيلا لفلسفة الإصلاح المنبثقة عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، أصبحت بيداغوجيا التدريس بمدخل الكفايات، تقتضي إعادة النظر في أساليب التنشيط، وتتطلب من المدرسين اكتساب كفايات مهنية جديدة، لكون بيداغوجيا التنشيط أصبحت مقاربة ضرورية موازية وحيوية لتفعيل الأنشطة التربوية، وأضحت أسسها المنهجية ذات بعد وظيفي وتنظيمي، ينبني على مبدأ التعددية في المقاربات البيداغوجية، ويفسح المجال أمام التلميذ لاتخاذ المبادرة والتفتح عبر التواصل الفعال مع جماعة الفصل...1. كفايات التنشيط التربوي في علاقتها بأساليب التدبير ونشاط التواصل ومهام القيادة التربوية في الفضاء الصفي:تقتضي مهمة تدبير جماعة الفصل، تحريك ديناميتها في اتجاه خلق تفاعلات إيجابية، تمنح فرصا حقيقية مبنية على مبدأ التشارك والانسجام والمساواة بين كل أعضائها، والانصهار في العمل الجماعي، حيث أصبح المدرس موجها لأنشطة فريق العمل، الذي يسعى بإمكاناته الذاتية إلى تطوير مهاراته وخبراته، وبالتالي إغناء شتى كفاياته عند بناء جميع ضروب المعرفة الإنسانية.إن مجال التدبير ككل، يعتبر المدرسة منظومة إنتاجية ومقاولاتية في عمق توجهاتها الوظيفية، تنبني على الاستثمار والإنتاج والمردودية... بذلك، تشكل وحدة إنتاجية، يكون فيها المتعلمون المادة الخام، تسخر لهم إمكانيات مادية ومعنوية جبارة على المستوى التربوي والثقافي والفكري والاجتماعي، بغية إفراز وتكوين أجيال متعلمة في مستوى تطلعات وانتظارات المجتمع.بناء عليه، يرتبط كل من مفهوم الجودة ومعاييرها، في مجال التدبير البيداغوجي لجماعة الفصل، بشروط ومقاييس موضوعية ذات طبيعةلوجيستيكية ترتبط بنوعية البنية المؤسساتية وجماليتها، ورونقها وتجهيزاتها المادية: من خزانات ومكتبات ووسائل ديداكتيكية للإيضاح... هذا، بجانب اعتبارات بنيوية وهيكلية أخرى: كعدد المتمدرسين في الفصول والمحيط السوسيو- ثقافي للمؤسسة المدرسية...كما ترتبط أيضا، بشروط ومقاييس تربوية ومهنية، تتمركز حول شخصية المدرس نفسه، وكفاءاته المهنية والتربوية، ومدى تحكمه في أساليب تدبير جماعة الفصل، وطريقته في اختيار آليات عمله البيداغوجية، وطرائقه في التنشيط وطبيعتها، ومدى إيمانه بضرورة نسج علاقات تواصل ديمقراطية مع تلامذته، إلى جانب مدى تشبعه بثقافة التفتح، وقدرته على تأهيلهم بشكل حقيقي للإبداع وإثبات الذات، مع الاعتناء بميولاتهم واهتماماتهم... إنها مهام، كما تبدو معقدة ومتداخلة، وهي عند تحليلها، تؤكد على تموقع كفايات التنشيط في طليعة أدوار المدرس. إنها مهام جسيمة، تجعل منه القائد التربوي على رأس جماعة العمل، يوجه نشاطها لتحقيق أهداف مصاغة بدقة عند بداية كل نشاط تربوي.إن السلوك القيادي التربوي، يتأسس انطلاقا من عدة اعتبارات ومبادئ متداخلة أهمها § المبادأة:قدرة القائد التربوي على وضع وتنفيذ الخطط التربوية الكفيلة بإنجاز جميع الأنشطة التربوية المشتقة من الكفايات المسطرة في المنهاج، في ظل العمل بروح الفريق.§ التمثيلية لأعضاء جماعة فصله:حماية المتعلمين والدفاع عن مصالحهم في علاقة مع الإدارة وأولياء الأمور، وجميع المعنيين بالعملية التربوية في المجتمع المدني...§ التكامل بين أعضاء جماعة الفصل:التدخل للحد من النـزاعات والخلافات، بترسيخ ثقافة القبول بالاختلاف والتعارض والتعايش في البيئة الفصلية.§ التنظيم:توجيه مهام الجماعة بشكل مهيكل، مع تنسيق العلاقات داخلها لإنجاز التعلمات.§ السيطرة:الحسم في القرارات الكبرى والمواقف الحساسة، وتحديد طرائق العمل ونوع آليات التواصل، وأهداف الأنشطة التربوية والمدة الزمنية الكفيلة بإنجازها.بذلك، تتجسر الروابط بين كفايات التنشيط التربوي والقيادة التربوية وأساليب التدبير التربوي، كما يستحيل فصلها عن نشاط التواصل في عمقه الوظيفي والنفعي في الممارسات البيداغوجية. إن التواصل مفاهيميا، يعني تداول الأخبار والمعرفة قصد التبليغ والنشر والإطلاع لفائدة شخص ما، أو مجموعة معينة من الأشخاص. في حين يعتبر تربويا، آلية حية ذات دينامية دائمة ومسترسلة، متنوعة الأساليب، موجهة نحو المتعلم، لتسهيل نسج علاقات تفاعل إيجابية معه، من أجل تحقيق المعرفة وبنائها واكتساب آلياتها. كما تتعدد وسائل وأنماط التواصل التعبيري، بين كلامية وشفهية وحس – حركية، يتم إرسالها من عضو مرسل إلى آخر متلق، بواسطة شفرة إرسالية (الترميز)، على مدى إيقاع زمني معين. بذلك، ترتبطكفايات التنشيط -في إطار مقاربة تواصلية- بعدة شروط تربوية، أهمها: تدفق وتيرة الإيقاع (البطء، الكثافة، السرعة)، وحركية المدرس داخل الصفوف، ومدى